المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القناع على العرش الاخوة


malakwab
06-04-2015, 11:18 PM
التقينا على كراسي الانتظار في أحد مختبرات مستشفى معروف في مدينتي.. توضّحَ لي من هيأته أنّه من دولة مجاورة.. لكن راودني شعور مبهم كأنني أعرفه طيلة حياتي، لا أدري سببه أهي رقته أم بسمته؟ لطفه أم هدوءُه.. يوحي بأن الدنيا ما زالت بألف خير.. ؟ نادوه باسمه الكامل فعلا اسم على مسمى "الطيب حسن" ..

غادرت إلى البيت وصورته ما زالت منطبعة في خيالي، يرتدي ثوبه الأبيض الفاخر وشماغه الزاهي. يا له من رجل وسيم لافت للأنظار..

لم أتردد في البحث عنه بوضع اسمه في (جوجل)، وجدته بسهولة هاهو ذا وتلك صورته، يعمل مراسلا رياضيا في إحدى الصحف، حتى (الإيميل) خاصته مذكور في معلوماته. فأرسلت له طلب صداقة دون تردد ووافق عليه فورا.

أمتعتني حواراته منذ البداية، وصرنا نمضي معظم الوقت نتحادث لساعات طويلة، ياله من مثقف مطلع وما أوسع علمه ومعلوماته لا تخفى عليه شاردة ولا واردة.

تدريجيا ملأ عليّ حياتي وكل فراغي.. وبدأت مشاعري تتغيّر نحوه.. وصرت أغار عليه، لا أرغب إلاّ أن يبقى معي لايحادث بنات غيري...

فرحت لما كاشفني بحبه، وأبدى استعداده للقدوم إلى بلدي كي نتعارف رسميا بهدف الزواج، لكنني اعتذرت آسفة بسبب اعتلال صحتي، قلبي ضعيف لا يحتمل، ومنعني الأطباء من خوض هذه التجربة.. فتقبّل الأمر بهدوء.

استمرت علاقتنا معا حوالي العام، تحاورنا عن النجوم، عن الحياة والموت، وكذلك الأرواح وإعادة تشكيلها وتناسخها، وأيضا في السياسة، في المرأة والرجل.. وفي كل الأمور.

تبادلنا الإهداءات وسماع في سماع الأغاني الطربية الجميلة.. وصار بعد زمن مجرد الإصغاء لها قمة المتعة عندي.. لكنه بدأ في التغيّر التدريجي والبعد حتى قطع كل صلة له بي ..

هذا الفراق جرح أنوثتي فلم أحاول البحث عنه، لكن كان حزني شديدا وتقبلت الأمر الواقع، أنا مريضة.. ولم يفاجئني الفراق، لكل شـيء نهــاية، وهــذا ما أدركـته منذ الـبداية.. !
..

بعد أربعة أشهر من غيابه، تردّت حالتي الصحية، وسقطت صريعة المرض، أكافح من أجل البقاء والحمى تفتك بي، ذات صباح استيقظت على حين غرّة فرأيته قرب سريري يشع هالة من نور..

ما أجمله من انسان, كلاّ.. ليس انسان بل ملاك! يضع بنفسه الكمّادات الباردة على جبيني ورأسي .. يمسك بيدي، يغمرها بيديه يشد عليها بحنان، يشد أزري ويحثني على مقاومة مرضي، حتّى بدأت أتعافى ومازال قريب مني لا يغادر أو يغمض له جفن.

عمّ دفئه روحي فكان شمسي ونوري وأغلى ناسي. بعد فترة عادت لي صحتي وانسحبت الحمى، ألقيت نظرة إلى مقعده قربي، رأيت والدي يجلس قربي، يغمرني بابتسامة مشعة ويهنئني بالسلامة.. أما حسن فلقد اختفى ولم أعد أراه... !

بعدما انتعشت تماما عدت إلى حاسوبي.. أبحث عن حسن، يجب أن أتواصل معه من جديد، من خلال (النت) تصفحت موقع عمله في الصحيفة، فصفعت عيني صورته موشحة بشريط أسود، وخبر ينعاه..

الطيّب حسن - ملاكي مؤنس وحدتي وجليسي.. حبيب عمري، فارق الحياة منذ أربعة شهور إثر صراعه مع داء السرطان الخبيث......جان جوان